الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الصوائف. وفي سنة إحدى وتسعين خرج الروم إلى الثغور في مائة ألف وقصد جماعة منهم الحدث ثم غزا بالصائفة من طرسوس القائد المعروف غلام زرافة ففتح مدينة أنطاكية وفتحها عنوة فقتل خمسة آلاف من مقاتلتهم وأسر مثلها واستنفد من اسرى المسلمين مثلها وغنم ستين من مراكب الروم بما فيها من المال والمتاع والرقيق فقسمها مع غنائم أنطاكية فكان السهم ألف دينار وفي سنة اثنتين وتسعين أغار الروم على مرعش ونواحيها فخرج أهل المصيصة وأهل طرسوس فأصيب منهم جماعة فعزل المكتفي أبا العشائر عن الثغور وولى رستم بن برد فكان على يديه الفداء وفودي ألف من المسلمين ثم أغارت الروم سنة ثلاث وتسعين على موارس من أعمال حلب وقاتلهم أهلها فانهزموا وقتل منهم خلق ودخلها الروم فأحرقوا جامعها وأخذوا من بقي فيها وفي سنة أربع وتسعين غزا ابن كيغلغ من طرسوس فأصاب من الروم أربعة آلاف سبيا واستأمن بطريق من الروم فأسلم ثم عاود ابن كيغلغ الغزو وبلغ سكند وافتتحها وسار إلى الليس فبلغ خمسين ألف رأس وقتل من الروم خلقا ثم استأمن البطريق المتولي الثغور من جهة الروم إلى المكتفي وخرج بمائتي أسير من المسلمين وكان ملك الروم قد شعر بأمره وبعث من يقبض عليه فقتل الأسرى المسلمون من جاء للقبض عليه وغنموا عسكرهم واجتمع الروم على محاربة البطريق انذوقس وزحف المسلمون لخلاصه وخلاص من معه من الأسرى فبلغوا قونية وخربوها وانصرف الروم ومر المسلمون في طريقهم بحصن أندوس فخرج معهم بأهله وسار إلى بغداد وفي سنة إحدى وتسعين خرج الترك إلى ما وراء النهر في خلق لا يحصون فبعث إليهم إسمعيل عسكرا عظيما من الجند والمطوعة فكبسوهم واستباحوهم وفي سنة ثلاث وتسعين افتتح إسمعيل مدائن كثيرة من بلاد الترك والديلم..الولايات بالنواحي. قد ذكرنا ولايات خاقان المفلحي على الري ثم إسمعيل بن أحمد بن سامان بعده وولاية عيسى النوشري على مصر بعد انتزعها من بني طولون وولاية أبي العشائر أحمد بن نصر على طرسوس وعزل مظفر بن حاج عنها سنة تسعين ثم عزل أبي العشائر وولاية رستم بن برد وسنة اثنتين وتسعين وانتراع الليث بن علي بن الليث بلاد فارس من يد طاهر بن محمد سنة ثلاث وتسعين بعد أن كان المكتفي عقد له عليها سنة تسعين وولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة ثلاث وتسعين وفي هذه السنة ثار داعية القرامطة باليمن إلى صنعاء فملكها واستباحها وتغلب على كثير من مدن اليمن وبعث المكتفي المظفر بن الحاج في شوال من هذه السنة إلى عمله باليمن فأقام به وفي سنة إحدى وتسعين توفي الوزير أبو القاسم بن عبيد الله واستوزر مكانه العباس بن الحسن..وفاة المكتفي وبيعة المقتدر. ثم توفي المكتفي بالله أبو محمد علي بن المعتضد في شهر جمادى سنة خمس وتسعين لست سنين ونصف من ولايته ودفن بدار محمد بن طاهر من بغداد بعد أن عهد بالأمر إلى أخيه جعفر وكان الوزير العباس بن الحسن قد استشار أصحابه فيمن يوليه فأشار محمد بن داود بن الجراح بعبد الله بن المعتز ووصفه بالعقل والرأي والأدب وأشار أبو الحسين بن محمد بن الفرات بجعفر بن المعتضد بعد أن أطال في مفاوضته وقال له: اتق الله ولا توال إلا من خبرته ولا تول البخيل فيضيق على الناس في الأرزاق ولا الطماع فيشره إلى أموال الناس ولا المتهاون بالدين فلا يجتنب المآثم ولا يطلب الثواب ولا تول من خبر الناس وعاملهم واطلع على أحوالهم فيستكثر على الناس نعمهم وأصلح الموجودين مع ذلك جعفر بن المعتضد قال: ويحك وهو صبي! فقال: وما حاجتنا بمن لا يحتاج إلينا ويستبد علينا؟ ثم استشار علي بن عيسى فقال: اتق الله وانظر من يصلح فمالت نفس الوزير إلى جعفر كما أشار ابن الفرات وكما أوصى أخوه فبعث صائفا الخدمي فأتى به من داره بالجانب الغربي ثم خشي عليه غائلة الوزير فتركه في الحراقة وجاء إلى دار الخلافة فأخذ له البيعة على الحاشية ثم جاء به من الحراقة وجاء إلى دار الخلافة فأخذ له البيعة على الحاشية ثم جاء به من الحراقة وأقعده على الأريكة وجاء الوزير والقواد فبايعوه ولقب المقتدر بالله وأطلق يد الوزير في المال وكان خمسة عشر ألف ألف دينار فأخرج منه حق البيعة واستقام الأمر..خلع المقتدر بابن المعتز واعادته. ولما بويع المقتدر وكان عمره ثلاث عشرة سنة إستصغره الناس وأجمع الوزير خلعه والبيعة لأبي عبد الله محمد بن المعتز وراسله في ذلك فأجاب وانتظر قدوم نارس حاجب إسمعيل بن سامان كان قد انتقض إلى مولاه وسار عنه فاستأذن في القدوم إلى بغداد وأذن له وقصد الاستعانة به على موالي المعتضد وأبطأ نارس عليه وهلك أبو عبد الله بن المقتدر خلال ذلك فصرف الوزير وجهة لأبي الحسين بن الموكل فمات فأقر المقتدر ثم بدا له وأجمع عزله واجتمع لذلك مع القواد والقضاة والكتاب وراسلوا عبد الله بن المعتز فأجابهم على أن لا يكون قتال فأخبروه باتفاقهم وأن لا منازع لهم وكان المتولون لذلك الوزير العباس بن الحسين ومحمد بن داود بن الجراح وأبا المثنى أحمد بن يعقوب القاضي ومن القواد الحسين بن حمدان وبدر الأعجمي ووصيف بن صوارتكين ثم رأى الوزير أمره صالحا المقتدر فبداله في ذلك فأجمع الآخرون أمرهم واعترضه الحسين بن حمدان وبدر الأعجمي ووصيف في طريق لستانة فقتلوه لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين وخلعوا المقتدر من الغد وبايعوا لابن المعتز وكان المقتدر في الحلبة يلعب الأكرة فلما بلغه قتل الوزير دخل الدار وأغلق الأبواب وجاء الحسين بن حمدان إلى الحلبة ليفتك به فلم يجده فقدم وأحضروا ابن المعتز فبايعوه وحضر الناس والقواد وأرباب الدواوين سوى أبي الحسن بن الفرات وخواص المقتدر فلم يحضروا ولقب ابن المعتز المرتضي بالله واستوزر محمد بن داود بن الجراح وقلد علي بن موسى الدواوين وبعث إلى المقتدر بالخروج من دار الخلافة فطلب الإمهال إلى الليل وقال مؤنس الخادم ومؤنس الخازن: وعربت الحال وسائر الحاشية لا بد أن يبدى عذرا فيما أصابنا وباكر الحسين بن حمدان من الغد دار الخلافة فقاتله الغلمان والخدم من وراء السور وانصرف فلما جاء الليل سار الموصل بأهله وأجمع رأى أصحاب المقتدر على قصد ابن المعتز في داره فتسلحوا وركبوا في دجلة فلما رآهم أصحاب ابن المعتز اضطربوا وهربوا واتهموا الحسين بن حمدان أنه قد واطأ المقتدر عليهم وركب ابن المعتز ووزيره محمد بن داود بن الجراح وخرجوا إلى الصحراء ظنا منهم أن الجند الذين بايعوهم يخرجون معهم وأنهم يلحقون بسامرا فيمتنعون فلما تفردوا بالصحراء رجعوا إلى البلد وتسربوا في الدور واختفى ابن الجراح في داره ودخل ابن المعتز ومولاه دار أبي عبد الله بن الحصاص مستجيرا به وثار العيارون والسفل ينتهبون وفشا القتل وركب ابن عمرويه صاحب الشرطة وكان ممن بايع ابن المعتز فنادى بثأر المقتدر مغالطا فقاتله فهرب واستتر وأمر المقتدر مؤنسا الخازن فزحف في العسكر وقبض على وصيف بن صوارتكين فقتله وقبض على القاضي أبي عمر علي بن عيسى والقاضي محمد بن خلف ثم أطلقهم وقبض على القاضي أبي المثنى أحمد بن يعقوب قال له: بايع المقتدر! قال: هو صبي! فقتله وبعث المقتدر إلى أبي الحسن بن الفرات كان مختفيا واستوزره وجاء سوسن خادم ابن الجصاص فأخبر صافيا الخزمي مولى المقتدر بمكانه عندهم فكبست الدار وأخذ ابن المعتز وحبس إلى الليل ثم خصيت خصيتاه فمات وسلم إلى أهله وأخذ ابن الجصاص وصودر على مال كثير وأخذ محمد بن داود وزير ابن المعتز وكان مستترا فقتل ونفى علي بن عيسى بن علي إلى واسط واستأذن من ابن الفرات في المسير إلى مكة فسار إليها على طريق البصرة وأقام بها وصودر القاضي أبو عمر على مائة ألف دينار وسارت العساكر في طلب الحسين بن حمدان إلى الموصل فلم يظفروا به وشفع الوزير ابن الفرات في ابن عمروية صاحب الشرطة وإبراهيم بن كيغلغ وغيرهم وبسط ابن الفرات الإحسان وأدار الأرزاق للعباسيين والطالبيين وأرضى والقواد بالأموال ففرق معظم ما كان في بيت المال وبعث المقتدر القاسم بن سيما وجماعة من القواد في طلب الحسين بن حمدان فبلغوا قرقيسيا والرحبة ولم يظفروا به وكتب المقتدر إلى أخيه أبي الهيجاء وهو عامل الموصل بطلبه فسار مع القاسم بن سيما والقواد ولقوه عند تكريت فهزموه وبعث مع أخيه إبراهيم يستأمن فأمنوه وجاؤا به إلى بغداد فخلع عليه المقتدر وعقد له على قم وقاشان وعزل عنها العباس بن عمر الغنوي فسار إليها الحسين ووصل نارس مولى إسمعيل بن سامان فقلده المقتدر ديار ربيعة.
|